كان عمر إسماعيل "13" عاما حينما رأى إبراهيم ذلك المنام العجيب المحير، والذي يدل على بدء امتحان عسير آخر لهذا النبي ذي الشأن العظيم، إذ رأى في المنام أن الله يأمره بذبح أبنه الوحيد وقطع رأسة. فنهض من نومه مرعوبا، لأنه يعلم أن ما يراه الأنبياء في نومهم حقيقة وليس من وساوس الشياطين، وقد تكررت رؤيته ليلتين اخريين
وقيل: أن أول رؤيا له كانت في ليلة التروية، أي ليلة الثامن من شهر ذي الحجة، كما شاهد نفس الرؤيا في ليلة عرفة، وليلة عيد الأضحى، وبهذا لم يبق عنده أدنى شك في
وقيل: أن أول رؤيا له كانت في ليلة التروية، أي ليلة الثامن من شهر ذي الحجة، كما شاهد نفس الرؤيا في ليلة عرفة، وليلة عيد الأضحى، وبهذا لم يبق عنده أدنى شك في
امتحان شاق آخر يمر على إبراهيم الآن، إبراهيم الذي نجح في كافة الامتحانات الصعبة السابقة وخرج منها مرفوع الرأس، الامتحان الذي يفرض عليه وضع عواطف الأبوة جانبا والامتثال لأوامر الله بذبح ابنه الذي كان ينتظره لفترة طويلة، وهو الآن غلام يافع قوي.
ولكن قبل كل شيء، فكر إبراهيم (ع) في إعداد إبنه لهذا الأمر، حيث قال ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾.
الولد الذي كان نسخة طبق الأصل من والده، والذي تعلم خلال فترة عمره القصيرة الصبر والثبات والإيمان في مدرسة والده، رحب بالأمر الإلهي بصدر واسع وطيبة نفس، وبصراحة واضحة قال لوالده: ﴿تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾. ولا تفكر في أمري فإنك ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾(39).فما أعظم كلمات الأب والإبن واستسلامهم لاوامر الخالق تبارك وتعالى
وسوسة الشيطان:
قد عمد الشيطان إلى تكريس كل طاقته لعمل شيء ما يحول دون خروج إبراهيم منتصرا من الإمتحان.
فأحيانا كان يذهب إلى زوجته "هاجر" ويقول لها: أتعلمين بماذا يفكر إبراهيم؟ إنه يفكر بذبح ولد إسماعيل اليوم!
فكانت تجيبه هاجر: إذهب ولا تتحدث بأمر محال، فإنه أرحم من أن يقتل ولده فهل يمكن العثور في هذه الدنيا على إنسان يذبح ولده بيده؟
الشيطان هنا يواصل وساوسه، ويقول: إنه يزعم بأن الله أمره بذلك.
فتجيبه هاجر: إذا كان الله قد أمره بذلك فعليه أن يطيع أوامر الله، وليس هناك طريق آخر سوى الرضا والتسليم لأمر الله.
وأحيانا كان يذهب صوب "الولد" ليوسوس في قلبه لكنه فشل أيضا إذ لم يحصل على أي نتيجة لأن إسماعيل كان كله قطعة من الرضا والتسليم لذلك الأمر.
وأخيرا إتجه نحو الأب، وقال له: يا إبراهيم إن المنام الذي رأيته هو منام شيطاني! لا تطع الشيطان! فعرفه إبراهيم الذي كان يسطع بنور الإيمان والنبوة، وصاح به: إبتعد من هنا يا عدو الله.
فورد في حديث آخر إن إبراهيم جاء في البداية إلى "المشعر الحرام" ليذبح إبنه هناك، ولكن الشيطان تبعه، فترك المحل وذهب إلى مكان آخر "الجمرة الأولى" فتبعه الشيطان أيضا، فرماه إبراهيم بسبع قطع من الحجارة، وعند وصوله إلى "الجمرة الثانية" شاهد الشيطان أمامه أيضا فرماه بسبع قطع أخرى من الحجارة، وحالما وصل إلى جمرة العقبة وشاهد الشيطان ثالثة رماه بسبع أخرى، وبهذا جعل الشيطان ييأس منه إلى الأبد.
و هذا ما يفسر رمي الجمرات و رجم الشيطان
ولما استسلم إبراهيم وولده لأمر الله تعالى وفوضا أمرهما إليه.. ذهبا سويًا إلى مكانٍ بعيدٍ وخلع إسماعيل قميصه ليكفنه والده فيه، وأضجع إبراهيمُ ولدَه على وجهه لئلا ينظر إليه فيشفق عليه.. وفي هذه اللحظات التي تُسكَب فيها العبرات، وتُحتَبس من أجلها الأنفاس داخل الصدور، فلا ترى إلا المدامع في العيون، وضع إبراهيم عليه السلام السكين على رقبة ولده ليحزها، فسُلِبَت السكين حدها كما سُلِبت النارمن قبل إحراقها.. وجاءت البشرى فنودي إبراهيم عليه السلام: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:104- 106].
وإذا بكبشٍ عظيم أبيض اقرن قد بعثه الله تعالى فداءً لإسماعيل عليه السلام {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107]. وأصبح هذا اليوم يومُ عيدٍ للمسلمين وأصبح ذبح الأضحية نُسكًا يُتقَرب به إلى الله تعالى إكرامًا لذكرى إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
للرد على اسئلتكم واستفسارتكم